فصل: ومن باب ما جاء في أكل معاقرة الأعراب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.كتاب الذبائح:

قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن هشام بن زيد قال: «دخلت مع أنس على الحكم بن أيوب فرأى فتيانًا أو غلمانًا قد نصبوا دجاجة يرمونها فقال أنس نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُصْبر البهائم».
قال الشيخ: أصل الصبر الحبس ومنه قيل قتل فلان صبرًا أي قهرًا أو حبسًا على الموت. وإنما نهي عن ذلك لما فيه من تعذيب البهيمة وأمر بإزهاق نفسها بأوجأ الذكاة وأخفها.

.ومن باب أكل ذبائح أهل الكتاب:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله، فأنزل الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121] الآية.
قال الشيخ: في هذا دلالة على أن معنى ذكر اسم الله على الذبيحة في هذه الآية ليس باللسان، وإنما معناه تحريم ما ليس بالمذكى من الحيوان، فإذا كان الذابح ممن يعتقد الاسم وإن لم يذكره بلسانه فقد سمى، وإلى هذا ذهب ابن عباس في تأويل الآية.

.ومن باب ما جاء في أكل معاقرة الأعراب:

قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله، قال: حَدَّثنا حماد بن مسعدة عن عوف، عَن أبي ريحانة عن ابن عباس قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب».
قال الشيخ: هو أن يتبارى الرجلان كل واحد منهما يجاود صاحبه فيعقر هذا عددًا من إبله ويعقر صاحبه فأيهما كان أكثر عقرًا غلب صاحبه ونفره. كره أكل لحومها لئلا تكون مما أهل به لغير الله، وفي معناه ما جرت به عادة الناس من ذبح الحيوان بحضرة الملوك والرؤساء عند قدومهم البلدان، وأوان حدوث نعمة تتجدد لهم في نحو ذلك من الأمور.

.ومن باب الذبيحة في المروة:

قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حَدَّثنا أبو الأحوص، قال: حَدَّثنا سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إنا نلقى العدو غدًا وليس معنا مُدَىَّ أفنذبح بالمَرْوة وشقة العصا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرِنْ أو أعجل ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سن أو ظُفر وسأحدثكم عن ذلك. أما السن فعظم وأما الظفر فمُدَى الحبشة وتقدم به سرعان من الناس فتعجلوا فأصابوا من الغنائم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الناس فنصبوا قدورًا فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدور فأمر بها فأكفئت وقسم بينهم فعدل بعير بعشر شياه وند بعير من إبل القوم لم يكن معهم خيل فرماه رجل بسهم فحبسه الله؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما فعل منها هذا فافعلوا به مثل هذا».
قال الشيخ: قوله: «أرن» صوابه ائرن بهمزة، ومعناه خف واعجل لئلا تخنقها فإن الذبح إذا كان بغير الحديد احتاج صاحبه إلى خفة يده وسرعته في إمرار الآلة على المريئ والحلقوم والأوداج كلها والإتيان عليها قطعًا قبل هلاك الذبيحة بما ينالها من ألم الضغط قبل قطع مذابحها وفسر به في غريب الحديث.
وفيه دلالة على أن العظم كذلك لأنه لما علل بالسن قال لأنه عظم فكل عظم من العظام يجب أن يكون الذكاة به محرمة غير جائزة.
وقال أصحاب الرأي إذا كان العظم والسن بائنين من الأسنان فوقع بها الذكاة حل. وإن ذبحها بسنه أو ظفره وهما غير منزوعين من مكانهما من بدنه فهو محرم.
وقال مالك إن ذكى بالعظم فمر مرًا أجزأه. وقال بعض أصحاب الشافعي إن العظم إذا كان من مأكول اللحم وقعت الذكاة، وكافة أصحابه على خلاف ذلك، وسواء عندهم كان الظفر والسن منفصلين من الإنسان أو لا.
قلت، وهذا خاص في المقدور على ذكاته فإن الذكاة في المقدور عليه ربما وقعت بألسن الكلب المعلم وبأسنان سائر الجوارح المعلمة وبأظفارها ومخالبها. وسرعان الناس هم الذين تقدموا في السير بين أيدي الأصحاب.
ويشبه أن يكون إكفاء القدور لأن الذي فيها لم يكن دارت عليه سهام القسمة بعد.
وقوله: «أوابد كأوابد الوحش» فالأوابد هي التي قد توحشت ونفرت، يقال أبد الرجل وبودًا إذا توحش وتخلى، ويقال هذه أبدة من الأوابد إذا كانت نادرة في بابها لا نظير لها في حسنها.
وفيه بيان أن المقدور عليه من الدواب الإنسية إذا توحش فامتنع صار حكمه في الذكاة حكم الوحشي غير المقدور عليه.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حَدَّثنا حماد عن سماك بن حرب عن مُرِّي بن قَطَري عن عدي بن حاتم قال: «قلت يا رسول الله أرأيت إن أحدُنا أصاب صيدًا وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشِقة العصا، قال أمرر الدم بما شئت واذكر اسم الله».
قال الشيخ: المروة حجارة بيض، قال الأصمعي وهي التي يقدح منها النار. وإنما تجزي الذكاة من الحجر بما كان له حد يقطع.
وقوله: «أمرر الدم» أي أسِله وأجره، يقال مريت الدم من عيني أمريه مريًا ومريت الناقة إذا حلبتها وهي مرية، والمري الناقة ذات الدر وهي إذا وضعت أخذوا حُوارها فأكلوه ثم راموها على جلده بعد أن يحشوه بتبن أو مشاقة ونحوها فيبقى لبنها وتدر عليه زمانًا طويلًا.
وأصحاب الحديث يروونه أمر الدم مشددة الراء وهو خطأ والصواب ساكنة الميم خفيفة الراء.

.ومن باب ذبيحة المتردية:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حَدَّثنا حماد بن سلمة، عَن أبي العشراء عن أبيه «أنه قال يا رسول الله أما تكون الذكاة إلاّ من اللَّبَة أو الحلق قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك».
قال الشيخ: هذا في ذكاة غير المقدور عليه فأما المقدور عليه فلا يذكيه إلاّ قطع المذابح لا أعلم فيه خلافًا بين أهل العلم وضعفوا هذا الحديث لأن راويه مجهول وأبو العشراء الدارمي لا يدرى من أبوه ولم يرو عنه غير حماد بن سلمة.
واختلفوا فيما توحش من الأوانس فقال أكثر العلماء إذا جرحته الرمية فسال الدم فهو ذكي وإن لم يصب مذابحه.
وقال مالك لا يكون هذا ذكاة حتى تقطع المذابح، قال وحكم الأنعام لا يتحول بالتوحش.

.ومن باب المبالغة في الذبح:

قال أبو داود: حدثنا هناد بن السري والحسن بن عيسى مولى ابن المبارك عن ابن المبارك عن معمر عن عمرو بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس زاد ابن عيسى وأبي هريرة قالا «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان زاد ابن عيسى في حديثه وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تُفْرى الأوداج ثم تترك حتى تموت».
قال الشيخ: إنما سمى هذا شريطة الشيطان من أجل أن الشيطان هو الذي يحملهم على ذلك ويحسن هذا الفعل عندهم. وأخذت الشريطة من الشرط وهو شق الجلد بالمبضع ونحوه كأنه قد اقتصر على شرطه بالحديد دون ذبحه والإتيان بالقطع على حلقه.

.ومن باب ذكاة الجنين:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي قال أخبرنا ابن المبارك (ح) وحدثنا مسدد، قال: حَدَّثنا هشيم عن مجالد، عَن أبي الودّاك، عَن أبي سعيد قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنين، فقال كلوه إن شئتم، وقال مسدد قلنا يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله، قال كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه».
قال الشيخ: فيه بيان جواز أكل الجنين إذا ذكيت أمه وإن لم يحدث للجنين ذكاة. وتأوله بعض من لا يرى أكل الجنين على معنى أن الجنين تذكى كما تذكى أمه فكأنه قال ذكاة الجنين كذكاة أمه أي فذكوه على معنى قول الشاعر:
فعيناك عيناها وجيدك جيدها

أي كأن عينيك عيناها في الشبه وجيدك جيدها. وهذه القصة تبطل هذا التأويل وتدحضه لأن قوله فإن ذكاته ذكاة أمه تعليل لإباحته من غير إحداث ذكاة ثانية فثبت أنه على معنى النيابة عنها.
وذهب أكثر العلماء إلى أن ذكاة الشاة ذكاة لجنينها، إلاّ أن بعضهم اشترط فيها الإشعار.
وقال أبو حنيفة لا يحل أكل الأجنة إلاّ ما خرج من بطون الأمهات حية فذبحت.
قال ابن المنذر: لم يرو عن أحد من الصحابة والتابعين وسائر علماء الأمصار أن الجنين لا يؤكل إلاّ باستئناف الذكاة فيه غير ما روي، عَن أبي حنيفة. قال ولا أحسب أصحابه وافقوه عليه.

.ومن باب أكل اللحم لا يدرى أذكر اسم الله عليه أم لا:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حَدَّثنا حماد (ح) وحدثنا القعنبي عن مالك (ح) وحدثنا يوسف بن موسى، قال: حَدَّثنا سليمان بن حبان ومحاضر المعنى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ولم يذكرا عن حماد ومالك عن عائشة «أنهم قالوا يا رسول الله إن قومًا حديثو عهد بجاهلية يأتون بلحمان لا ندري أذكروا اسم الله عليها أم لم يذكروا أنأكل منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سموا الله وكلوا».
قال الشيخ: فيه دليل على أن التسمية غير واجبة عند الذبح لأن البهيمة أصلها على التحريم حتى يتيقن وقوع الذكاة فهي لا تستباح بالأمر المشكوك فيه فلو كانت التسمية من شرط الذكاة لم يجز أن يحمل الأمر فيها على حسن الظن بهم فيستباح أكلها كما لو عرض الشك في نفس الذبح فلم يعلم هل وقعت الذكاة أم لا لم يجز أن تؤكل.
واختلفوا فيمن ترك التسمية على الذبح عامدًا أو ساهيًا، فقال الشافعي التسمية استحباب وليس بواجب وسواء تركها عامدًا أو ساهيًا، وهو قول مالك وأحمد.
وقال الثوري وأهل الرأي وإسحاق إن تركها ساهيًا حلت وإن تركها عامدًا لم تحل.
وقال أبو ثور وداود كل من ترك التسمية عامدًا كان أو ساهيًا فذبيحته لا تحل ومثله عن ابن سيرين والشعبي.

.ومن باب في العتيرة:

قال أبو داود: حدثنا مسدد (ح) وحدثنا نصر بن علي عن بشر بن المفضل المعنى، قال: حَدَّثنا خالد الحذاء، عَن أبي قلابة، عَن أبي المليح قال: قال نبيشة: «نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا قال: اذبحوا لله في أي شهر كان وبَّروا الله وأطعموا قال إنا كنا نُفرع فَزَعًا في الجاهلية فما تأمرنا، قال في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل قال نصر استحمل للحجيج ذبحته فتصدقت بلحمه، قال خالد أحسبه قال على ابن السبيل فإن ذلك خير، قال خالد قلت لأبي قلابة كم السائمة قال مائة».
قال الشيخ: العتيرة النسيكة التي تعتر أي تذبح وكانوا يذبحونها في شهر رجب ويسمونها الرجبية، والفرَع أول ما تلده الناقة وكانوا يذبحون ذلك لآلهتهم في الجاهلية وهو الفرع مفتوحة الراء ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عبدة قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا فرع ولا عتيرة».
قال الشيخ: وقال ابن سيرين من بين أهل العلم تذبح العتيرة في شهر رجب وكان روى فيها شيئًا. وقوله استحمل معناه قوي على الحمل.

.ومن باب العقيقة:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن حبيبة بنت ميسرة عن أم كرز الكعبية قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة».
قال الشيخ: وفسره أبو عبيد قريبا من هذا لأن حقيقة ذلك التكافؤ في السن يريد شاتين مسنتين تجوزان في الضحايا بأن لا تكون إحداهما مسنة والأخرى غير مسنة.
والعقيقة سنة في المولود لا يجوز تركها وهو قول أكثرهم، إلاّ أنهم اختلفوا في التسوية بين الغلام والجارية فيها، فقال أحمد بن حنبل والشافعي وإسحاق بظاهر ما جاء في الحديث من أن في الغلام شاتين وفي الجارية شاة.
وكان الحسن وقتادة لا يريان عن الجارية عقيقة.
وقال مالك الغلام والجارية شاة واحدة سواء، وقال أصحاب الرأي إن شاء عتق وإن شاء لم يعتق.
قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حَدَّثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت عن أم كُرْز قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أقروا الطير على مَكِناتها، قالت وسمعته يقول عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكرانًا كن أم إناثًا».
قال الشيخ: قوله: «مكناتها» قال أبو الزناد الكلابي لا نعرف للطير مكنات وإنما هي وُكُنات وهي موضع عش الطائر.
وقال أبو عبيد وتفسير المكنات على غير هذا التفسير يقول لا تزجروا الطير ولا تلتفتوا إليها أقروها على مواضعها التي جعلها الله لها من أنها لا تضر ولا تنفع وكلاهما له وجه.
وقال الشافعي كانت العرب تولع بالعيافة وزجر الطير فكان العربي إذا خرج من بيته غاديًا في بعض حاجته نظر هل يرى طيرًا يطير فيزجر سنوحه أو يردعه فإذا لم ير ذلك عمد إلى الطير الواقع على الشجر فحركه ليطير ثم ينظر أي جهة يأخذ فيزجره، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «أقروا الطير على أمكنتها لا تطيروها ولا تزجروها».
وقيل قوله: «أقروا الطير على مكناتها» فيه كالدلالة على كراهة صيد الطير بالليل.
قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر النمري، قال: حَدَّثنا همام، قال: حَدَّثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويُدَمَّى».
قال الشيخ: قال أحمد هذا في الشفاعة يريد أنه إن لم يعق عنه فمات طفلًا لم يشفع في والديه.
وقوله: «رهينة» بإثبات الهاء معناه مرهون فعيل بمعنى مفعول والهاء تقع في هذا للمبالغة يقال فلان كريمة قومه أي محل العقدة الكريمة عندهم وهذا عقيلة المتاع أي ثمرته.
وقيل قوله: «الغلام مرهون بعقيقته» أي بأذى شعره واستدل بقوله: «فأميطوا عنه الأذى» والأذى إنما هو مما علق به من دم الرحم.
وفيه من السنة حلق رأس المولود في اليوم السابع، وقوله: «يدمى» اختلف في تدميته بدم العقيقة، فكان قتادة يقول به ويفسره فيقول إذا ذبحت العقيقة يؤخذ منها صوفة واستقبلت بها أوداجها ثم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل على رأسه مثل الخيط ثم يغسل رأسه بعد ويحلق.
وقال الحسن يطلى بدم العقيقة رأسه وكره أكثر أهل العلم لطخ رأسه بدم العقيقة وقالوا أنه من كان من عمل الجاهلية كرهه الزهري ومالك وأحمد وإسحاق، وتكلموا في رواية هذا الحديث من طريق همام عن قتادة، فقالوا قوله يدمى غلط وإنما هو يسمى هكذا رواه شعبة عن قتادة وكذلك رواية سلام بن أبي مطيع عن قتادة، وكذلك رواه أشعث عن الحسن عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى». واستحب غير واحد من العلماء أن لا يسمى الصبي قبل سابعه. وكان الحسن ومالك يستحبان ذلك.
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق حدثنا هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دمًا وأميطوا عنه الأذى».
قال الشيخ: معنى إماطة الأذى حلق الرأس وإزالة ما عليه من الشعر وإذا أمر بإماطة ما خف من الأذى وهو الشعر الذي على رأسه فكيف يجوز أن يأمرهم بلطخه وتدميته مع غلظ الأذى في الدم وتنجيس الرأس به. وهذا يدلك على أن من رواه ويسمى أصح وأولى.
قال أبو داود: حدثنا القعنبي، قال: حَدَّثنا داود بن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه أراه عن جده قال: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال لا يحب الله العقوق كأنه كره الاسم وقال من ولد له فأحب أن ينسك عنه فلينسك عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة، وسئل عن الفَرع قال: والفرع حق وإن تتركوه حتى يكون بكرًا شُغْزُبًا ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه فيلزق لحمه بوبَره وتَكفأ إناءك وتُولِّه ناقتك».
قال الشيخ: قوله: «لا يحب الله العقوق» ليس فيه توهين لأمر العقيقة ولا إسقاط لوجوبها وإنما استبشع الاسم وأحب أن يسميه بأحسن منه فليسمها النسيكة أو الذبيحة.
واختلف أهل اللغة في اشتقاق اسم العقيقة، فقال بعضهم العقيقة اسم الشعر يحلق فسميت الشاة عقيقة على المجاز إذ كانت إنما تذبح بسبب حلاق الشعر. وقال بعضهم بل العقيقة هي الشاة نفسها، وسميت عقيقة لأنها تعق مذابحها أي تشق وتقطع، يقال عق البرق في السحاب والعق إذا تشقق فتشظى له شظايا في وجه السحاب، قالوا ومن هذا عقوق الولد أباه وهو قطيعته وجفوته.
وقوله: «حتى يكون بكرًا شغزبًا» هكذا رواه أبو داود وهو غلط والصواب حتى يكون بكرًا زُخْرُبًّا وهو الغليظ، كذا رواه أبو عبيد وغيره.
ويشبه أن يكون حرف الزاي قد أبدل بالسين لقرب مخارجهما وأبدل الخاء غينا لقرب مخرجهما فصار سغربًا فصحفه بعض الرواة فقال شغزبًا.
وقوله: «وتكفأ إناءك» يريد بالإناء المحلب الذي تحلب فيه الناقة، يقول إذا ذبحت حُوارها انقطع مادة اللبن فتترك الإناء مكفأ ولا يحلب فيه.
وقوله: «توله ناقتك» أي تفجعها بولدها وأصله من الوله وهو ذهاب العقل من فقدان إلف؛ وأنشد ابن الأعرابي:
وكنا خليطي في الجمال فأصبحت ** جمالي تُوالي وُلهًا من جِمالك